منظمات حقوقية وإغاثية تكشف تواطئ الأمم المتحدة مع النظام السوري  - It's Over 9000!

منظمات حقوقية وإغاثية تكشف تواطئ الأمم المتحدة مع النظام السوري 

Foreign Policy  - ترجمة بلدي نيوز
حتى بداية هذا الشهر، كانت مضايا بلدة مجهولة في جنوب غرب سوريا، مغيبة من قبل منطقة الزبداني القريبة التي كانت تشهد معركة شرسة في الآونة الأخيرة بين ثوار المعارضة ونظام بشار الأسد و حليفه حزب الله.
 ولكن اليوم، ومع وصول قوافل الإغاثة الدولية مع الغذاء والدواء لرفع حصار المجاعة، فقد أصبحت مضايا النقطة المحورية لغضب عمال الإغاثة السورية في الأمم المتحدة، الذين اتهموا المجتمع الدولي بإعطاء الأولوية لعلاقاتها مع دمشق أكثر من اهتمامها بمصير السكان المحاصرين في المنطقة المنكوبة.
ويقول عمال الإغاثة أن الوضع الإنساني في مضايا هو الأسوأ حالاً من جميع المدن المحاصرة في سوريا، وفي وقت مبكر من تشرين الأول دق السكان المحليون في البلدة نواقيس الخطر بشأن الوضع الإنساني المتردي هناك، فما لا يقل عن ستة أطفال و17 بالغاً قضوا جوعاً في كانون الأول، وما زال هناك مئات آخرين يهددهم الموت.
كل هذا كان يجري بعلم مسؤولي الأمم المتحدة حتى عندما تسربت الصور المروعة لأطفال يتضورون جوعاً وعممت على وسائل الإعلام، والتي بدورها حذرت من خطر الازمة الإنسانية، بقيت الأمم المتحدة متكتمة عن الموضوع واحتفظت بمذكرة داخلية عن الموضوع لم تنشر.
التقرير الصادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) والتي تتفاوض لإيصال المساعدات، تحدث عن "الظروف البائسة" بما في ذلك سوء التغذية الحاد، والحاجة الملحة للمساعدة الإنسانية، وفي شهر تشرين الأول أفاد بعض قادة المجتمع في مضايا أن هناك حوالي 1.000 حالة سوء تغذية بين أطفال دون سن العام.
ولكن هذا التقرير لم يخرج للعلن ولم يعرف عنه أحد، فمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية صنف هذا التقرير على أنه "مذكرة داخلية" وليس للتقييم، ولم يكن لـ "أوتشا" أي تعليق فوري بشأن هذا التقرير الذي تسرب للإعلام من دون أن ينشر رسمياً عن طريقها.
أشهر طويلة تكتمت فيها الأمم المتحدة على المجاعة في مضايا، وهو واحد من أسباب القلق التي تؤرق المجتمع من مسؤولين الإغاثة الدولية والسورية، وسبب آخر هو مزاعمها المتكررة أن حصاراً واحداً ليس مهماً، وأنه يجب رفع الحصار عن جميع المدن وهو هدف يبدو بعيد المنال.
وحتى عندما تحدث "يعقوب الحلو"، منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سورية للصحفيين يوم 12 كانون الثاني، وصف أهل مضايا بـ "سكان يعانون من البرد والجوع وفقدان الأمل واليأس الشديد"، لكنه لم يلق اللوم على أحد بسبب هذا الوضع، كما لم يشر إلى ميليشيا حزب الله العسكرية والتي في الواقع هي من تحافظ على الحصار ضد المدنيين السوريين في مضايا.
بدلاً من ذلك، انتقل "الحلو" فوراً لترديد ما تقوله الأمم المتحدة دائماً: بأن حصار مضايا التي يسيطر علها الثوار مشابه تماماً للحصارات التي يفرضها تنظيم الدولة ضد المناطق الموالية في "كفريا والفوعة".
وقال "الحلو" للصحفيين في 12 كانون الثاني: "أنا مرتاح جداً لأن أقول أن استخدام الحصار هو أسلوب من أساليب الحرب، ويشمل ذلك (الفوعة وكفريا) البلدات التي يحاصرها الثوار في محافظة إدلب، والتي تلقت أيضاً هذا الأسبوع شحنات من المواد الغذائية من برنامج الغذاء العالمي، والصليب الأحمر الدولي، والهلال الأحمر العربي السوري، في نفس الوقت مع مضايا".
ولكن الوضع في مضايا مختلف جداً عن كفريا والفوعة، فأسعار المواد الغذائية وصلت لأرقام فلكية، فمثلاً سعر الكيلو الواحد من الأرز وصل إلى 256 دولار، ووفقاً لمعلومات تم جمعها من قبل الجمعية الطبية الامريكية السورية، كان الحصار على كفريا والفوعا الشيعيتين أكثر مرونة، فالأرز يكلف 1.25 دولار للكيلوغرام الواحد، في حين تكلف الطماطم (البندورة) أقل من دولار و البطاطا نحو 50 سنتاً.
وعلى عكس مضايا، حيث تم فرض الحصار من قبل قناصة حزب الله ونظام الأسد بالإضافة إلى الألغام الأرضية المطوقة للمدينة، كفريا والفوعة كانت تصلهما المساعدات بشكل مستمر من قبل النظام السوري.
كما أنه في مضايا لا يوجد فواكه أو خضروات، بل لا تتوفر أي مواد غذائية، واضطر السكان أن يقتاتوا على حساء معد من عشب مغلي وعلى أقل من كوب من الأرز يومياً.
إبراهيم، وهو مهندس كمبيوتر في مضايا، يعيش مع والديه وأخته الأكبر سناً، والذي طلب عدم الكشف عن اسمه، قال على سكايب: "لقد كنا نحظى بكوب أرز يومياً لكل شخص، أما الآن فكوب واحد يجب أن يكفي لأربعة أشخاص"، وأضاف: "ولكن الآن بتنا نأكل أوراق الشجر وبعض الأعشاب، ومع حلول الشتاء لم يعد هناك ورق على الشجر، أما بالنسبة للفواكه والخضروات فقد نسينا طمعها تماماً".

وأثار تعامل الأمم المتحدة مع هذه الأزمة غضب العاملين في المجال الطبي والإنقاذ السوري الذين يتهمون الهيئة الدولية بالخنوع لنظام الأسد، وفي رسالة مفتوحة نشرت يوم 13 كانون الثاني، اتهم 112 عامل في المجال الإنساني السوري من المناطق المحاصرة الأمم المتحدة بـ "السعي وراء إذن من نظام الأسد لدخول المناطق المحاصرة وهي ليست بحاجة إليه". 
وفي ضوء قرار لمجلس الامن يطالب بتدفق المساعدات الإنسانية بحرية، كان ينبغي أن يُعطى مسؤولو المساعدات الإذن الذي يحتاجونه، وجاء في الرسالة: "إن الفشل في معالجة محنة تجويع السوريين بشكل أكثر صرامة مع النظام السوري، قد حول الأمم المتحدة من رمز للأمل إلى رمز للتواطؤ".
كما وذكر في الرسالة: "إن مسؤولي الأمم المتحدة المتواجدون في دمشق إما أنهم مقربون جداً من نظام الأسد، أو أنهم خائفون من إبطال تأشيراتهم من قبل نفس القوى التي تحاصر المدينة، وأولئك الذين فقدوا أحبائهم بسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية أو نقص الرعاية الطبية الأساسية لن يغفروا لموظفي الأمم المتحدة، الذين يجلسون في الفنادق الفاخرة التي لا تبعد إلا دقائق عن المدن المحاصرة، ويستمعون للقصف والتفجيرات التي تنهال عليها".
وقد عممت الرسالة من قبل "حملة سوريا"، وهي منظمة غير حكومية أطلقت حملة "كسر الحصارات" على وسائل الاعلام في وقت سابق هذا الأسبوع.
ورفض مسؤولو الإغاثة الدولية التعليق على ذلك، ولكن أكثر من شخص منهم اتفق مع مضمون الرسالة، وقال أحد كبار المسؤولين في الصليب الأحمر الدولي: "نظراً لضخامة الكارثة الإنسانية، يتعين علينا أن نكون أكثر طموحاً مما نحن عليه".
وقال مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا " في تصريح لصحيفة "الفورين بولسي" يوم 15 كانون الثاني: "إن إيصال قوافل المساعدات الإنسانية فوراً إلى جميع المناطق المحاصرة والتي يصعب الوصول إليها أمر ضروري، ولكن الأولوية والحل هو لرفع الحصار عن جميع المناطق".
ومن إحدى الدلائل على فشل الأمم المتحدة، اعتراف يعقوب الحلو الأسبوع الماضي أن الأمم المتحدة حصلت على موافقة واحدة من حكومة دمشق من أصل عشرة طلبات لإرسال قوافل الإمدادات الغذائية والطبية في عام 2015.
ولكن بعض هذه الإخفاقات هي دهاء وخداع، فهناك توتر داخل مجتمع الإغاثة الدولية على طريقة عمل مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" والذي يحدد أي من المناطق المحاصرة "من الصعب الوصول إليها"، وهي منهجية حرمت المدنيين من المواد الغذائية التي تبقيهم على قيد الحياة وبالتالي يمكن أن يحاكم بوصفه جريمة حرب، فقد حددت الأمم المتحدة مدن "كفريا والفوعة" المواليتين للنظام واللتان لم تشهدا أي حالة وفاة من الجوع كمدن بحاجة للمساعدات، فيما مدن محاصرة للمعارضة مثل "مضايا " وصفت كـ "مناطق يصعب الوصول إليها".
كما أن قليلين في مجتمع المساعدات الإنسانية يصادقون ويؤيدون إحصاءات "أوتشا" في الحصار، فهي تؤكد بشكل روتيني أن هناك ما لا يقل عن 400.000 ألف شخص محاصر في سورية، نصفهم في الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية، ولكن الجمعية الطبية الامريكية السورية قدرت أنه يوجد ما لا يقل 608.000 محاصر في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة وحدها. 
ويقدر مسؤولون محليون في سورية، وفقاً لمعلومات من معهد سورية، وهي منظمة غير ربحية في الولايات المتحدة مكرسة لدراسة وتحليل الحصارات، أن عدد المحاصرين في سورية قد تجاوز المليون شخص.
وانتقد مسؤولون في الإغاثة الدولية أيضاً النمط المتبع من قبل الأمم المتحدة_ بالتقليل من شأن مناطق المعارضة المحاصرة من قبل النظام السوري، وتقديم الفواتير العليا للمناطق المحاصرة لمؤيدي الأسد كـ "كفريا والفوعة".
فعلى سبيل المثال، في بيان في 7 كانون الثاني، أعرب "يعقوب الحلو" عن قلقه لمحنة ما يقرب من 400.000 ألف شخص محاصرين من قبل أطراف مختلفة في دير الزور، وهي مدينة في شرق سوريا، بالإضافة إلى داريا وهي بلدة تقع غرب دمشق، وكفريا والفوعة، وأجزاء من الغوطة الشرقية في ريف دمشق.
ولكن بيان الحلو لم يأخذ بالاعتبار الاختلافات الكبيرة بين الحصارات، لأن نصف هذا العدد، 200.000 ألف شخص يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في دير الزور، ومحاصرين من قبل مسلحين تنظيم "الدولة الإسلامية"، ولكن لا توجد تقارير عن أي مجاعة في دير الزور، فالأرز يكلف 5 دولارات للكيلو الواحد في الأحياء التي تسيطر عليها الحكومة - وبسعر 70 سنتاً في المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، وفقاً لنشطاء مناهضين للنظام، وقال النشطاء أيضاً أن المطار العسكري في دير الزور ما يزال يعمل ويتم تسليم الوقود إلى الأحياء المحاصرة على متن مروحيات.

وحتى وقت لاحق، ذكر بيان "الحلو" اسم مضايا!، ولكن إحالتها للنهاية قد خفف من حاجتها الملحة، كما أظهر التقرير الصادر عن مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في 6 كانون الثاني أن مسؤولي الأمم المتحدة كانوا على دراية جيدة بالظروف الصعبة والخطيرة في "مضايا" وهي حالة أكثر خطورة بكثير من الحالات الأخرى التي ذكرها الحلو في بداية بيانه والتي أولاها الأهمية.
السؤال هنا: هل قامت الأمم المتحدة بصياغة مسودة البيان وقامت الحكومة السورية نفسها بإعادة كتابته ليبدو حصار "مضايا" ومناطق المعارضة كشيء ثانوي؟ هو سؤال لم يلق تعقيباً حتى الآن من المتحدثة باسم "أوتشا" (ليندا توم) في عمان، والتي رفضت التعليق على الموضوع، وهي من كانت جزءاً من عملية صياغة البيان.

مقالات ذات صلة

مصر تدعو إلى حشد الدعم الإقليمي والدولي لسوريا

مسؤول أممي "مستعد للسفر إلى سوريا لجمع الأدلة ضد كبار المسؤولين في النظام السابق"

مظلوم عبدي ينفي مطالبة قواته بحكومة فدرالية ويؤكد سعيه للتواصل مع الحكومة الجديدة

جنبلاط يلتقي الشرع في دمشق

الشرع وفيدان يناقشان تعزيز العلاقات بين سوريا وتركيا

توغل جديد للقوات الإسرائيلية في محافظة القنيطرة

//